كتبت تمارا تركي في ميدل إيست آي أن انخراط الشباب في التضامن مع فلسطين شهد تحولات لافتة مع تصاعد الرقابة على المنصات الرقمية. فبينما أشعلت حملات إلكترونية واسعة مثل وسم #أنقذوا_الشيخ_جراح تفاعلاً هائلاً وجمعت عشرات الملايين حول العالم، دفعت القيود الرقمية والإنهاك النفسي كثيراً من الناشطين من الجيلين "زد" و"الألفية" إلى العودة لوسائل أكثر ملموسية، حيث اختاروا الملصقات والكتيبات والكتب والمنتجات اليدوية كأدوات أكثر مباشرة للتأثير.
أكد موقع ميدل إيست آي أن الرقابة على فيسبوك وإنستاجرام وتيك توك دفعت الحركات الشبابية إلى اعتماد أساليب بديلة تتجاوز خوارزميات الإخفاء وحذف المحتوى. فبدلاً من الاعتماد الكلي على الشاشات، اتجهوا نحو الأنشطة الميدانية والممارسات التناظرية التي تتيح لهم بناء تواصل بشري مباشر وتجاوز العوائق المفروضة.
في لندن مثلاً، ينظم تجمع الكوفية في بيكهام حملات توعية عبر حقائب ومنسوجات مطبوعة يدوياً تحمل شعارات سياسية داعمة لغزة. أما مقام بوكس، المكتبة الجوالة التي يديرها محمود مسعود، فيعرض كتباً عن التاريخ الفلسطيني باللغتين العربية والإنجليزية في المعارض والفعاليات الفنية، ليمنح الأجيال الشابة فرصة للتعرف إلى السرديات الفلسطينية بعيداً عن تغييب المكتبات التقليدية.
قالت الطالبة نعيمة من "يونيفرسيتي كوليدج لندن" إن صناعة ملصق أو توزيع منشور يتطلب جهداً يخلق ارتباطاً أعمق بالقضية ويمنح شعوراً بالجدوى أكثر من مجرد تمرير منشور عابر على إنستاجرام. وأكدت أن الملصقات واللافتات تجذب الانتباه وتفتح النقاشات في الفضاء العام، مشيرة إلى تجربتها في تغطية حاسوبها بالملصقات التي تستفز أسئلة وتعليقات من المارة.
أشار التقرير إلى أن الرقابة على المنصات لم تقتصر على حذف المحتوى بل امتدت إلى التضييق على حملات دعم غزة، كما حدث مع جماعة 8 ـBall الفنية في نيويورك، التي شكت من حجب تبرعاتها عبر إنستاجرام. وأوضحت الجماعة أن النشرات المصغرة "زينز" تمنح حرية الحركة والوصول إلى جمهور متنوع خارج دوائر الصدى الرقمية.
كشف تقرير هيومن رايتس ووتش في ديسمبر 2023 عن ممارسات "ميتا" في تقييد المحتوى المؤيد لفلسطين، بينما تعرض "تيك توك" لانتقادات بسبب تعيين مسؤولة مرتبطة بالجيش الإسرائيلي للإشراف على سياسات خطاب الكراهية. هذا المناخ الرقابي زاد من لجوء الناشطين إلى الورش والمطبوعات كفضاء آمن للتعبير.
أوضحت نعيمة أن إلهامها يأتي من تجربة جدها الذي ناضل في حرب تحرير بنغلاديش بالاعتماد على وسائل مقاومة تناظرية، معتبرة أن هذه الأساليب تبقى عصية على السيطرة مقارنة بالخوارزميات الرقمية.
من جانب آخر، أشار التقرير إلى أن القمع لا يقتصر على حذف المنشورات بل يشمل تهديد الطلاب الدوليين المؤيدين لفلسطين في الولايات المتحدة بالترحيل، بعد قرارات وزارة الخارجية بفرض الكشف عن حساباتهم على وسائل التواصل. هذا جعل العديد من النشطاء يتجهون إلى اللقاءات المباشرة بعيداً عن المراقبة الإلكترونية، حيث تُحضّر الملصقات وتُكتب أسماء الضحايا في غزة على اللافتات كوسيلة لتجسيد الخسائر الإنسانية.
أظهرت الحركات الشبابية أن الوسائل التناظرية تحمل جاذبية خاصة لأنها تمنح شعوراً بالانتماء والذاكرة الجمعية. فقد أوضحت جنان أونج من مجموعة "بيزيانز" في لندن أن الملصقات والمنشورات تشكل تذكاراً مادياً للتجارب النضالية، مؤكدة أن الشباب يفضلون الاحتفاظ بأشياء ملموسة بدلاً من الاكتفاء بمنشورات رقمية عابرة.
وأضافت شريكتها سارة خان أن المزاوجة بين الرقمي والملموس تتيح للرسالة أن تحافظ على بعدها الحميمي المحلي، وفي الوقت ذاته تصل إلى جمهور أوسع يعزز التضامن العالمي مع فلسطين.
يبرز هذا التحول نحو الوسائط التناظرية كاستراتيجية واعية لمقاومة التعتيم الرقمي وبناء مساحات أعمق من المشاركة الإنسانية، حيث يجد الناشطون في الملصقات والكتب والكتيبات أداة للتواصل المباشر وحافزاً لإبقاء الذاكرة الفلسطينية حية في الوعي الجماعي.